فصل: من فوائد الشيخ عبد الكريم الخطيب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق} قال: الله عز وجل، الحق.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {الذي فيه يمترون} قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج من كل قوم عالمهم فتشاوروا في عيسى حين رُفِعَ، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيى من أحيى وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم اليعقوبية فقالت الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه. فقال: هو ابن الله، وهم النسطورية. فقال اثنان: كذبت. ثم قال أحد الإثنين للآخر: قل فيه. قال: هو ثالث ثلاثة: الله إله، وعيسى إله، وأمه إله. وهم الإسرائيلية وهم ملوك النصارى. فقال الرابع: كذبت.. هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته، وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال، فاقتتلوا فظهر على المسلمين. فذلك قول الله {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} [آل عمران: 21] قال قتادة: وهم الذين قال الله {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: اختلفوا فيه فصاروا أحزابًا، فاختلف القوم، فقال المرء المسلم: أنشدكم... هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام، وأن الله لا يطعم الطعام؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فهل تعلمون أن عيسى كان ينام، وأن الله لا ينام؟ قالوا: اللهم نعم. فخصمهم المسلمون فانسل القوم، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ، وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن {فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} [مريم: 37]. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: هم أهل الكتاب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق}:
يجوز أَنْ يكونَ {عيسى} خبرًا ل {ذلك}، ويجوز أَنْ يكونَ بدلًا أو عطفَ بيانٍ. و{قولُ الحق} خبره. ويجوز أَنْ يكونَ {قولُ الحق} خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هو قولُ: و{ابن مريم} يجوز أَنْ يكونَ نعتًا أو بدلًا أو بيانًا أو خبرًا ثانيًا.
وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر: {قولَ الحق} بالنصبِ والباقون بالرفع. فالرفعُ على ما تقدَّم. قال الزمخشري: وارتفاعُه على أنَّه خبرٌ بعد خبرٍ، أو بدلٌ. قال الشيخ: وهذا الذي ذكرَه لا يكونُ إلا على المجازِ في قولٍ: وهو أن يُراد به كلمةُ اللهِ؛ لأنَّ اللفظَ لا يكون الذاتَ.
والنصب: يجوز فيه أَنْ يكونَ مصدرًا مؤكِّدًا لمضمون الجملة كقولِك: هو عبدُ الله الحقَّ لا الباطِلَ، أي: أقولُ قولَ الحق، فالحقُّ الصدقُ وهو مِنْ إضافةِ الموصوف إلى صفتِه، أي: القول الحق، كقولِه: {وَعْدَ الصدق} [الاحقاف: 16]، أي: الوعدَ الصدقَ. ويجوز أن يكونَ منصوبًا على المدح، أي: أُريد بالحقِّ البارِيْ تعالى، و{الذي} نعتٌ للقول إنْ أُرِيْدَ به عيسى، وسُمِّي قولًا كما سُمِّي كلمةً لأنه عنها نشأ. وقيل: هو منصوبٌ بإضمار أعني. وقيل: هو منصوبٌ على الحالِ من {عيسى}. ويؤيِّد هذا ما نُقِل عن الكسائي في توجيهِ الرفعِ: أنه صفةٌ لعيسى.
وقرأ الأعمش: {قالُ} برفع اللام، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضًا. وقرأ الحسن {قُوْلُ} بضم القاف ورفع اللام، وهي مصادر لقال. يقال: قال يَقُولُ قَوْلًا وقالًا وقُوْلًا، كالرَّهْبِ والرَّهَبِ والرُّهْب. وقال أبو البقاء: والقال: اسمٌ للمصدرِ مثل: القيل، وحُكي {قُولُ الحق} بضمِّ القاف مثل: {الرُّوْح} وهي لغةٌ فيه. قلت: الظاهرُ أنَّ هذه مصادرٌ كلُّها، ليس بعضُها اسمًا للمصدرِ، كما تقدَّم تقريرُه في الرَّهْب والرَّهَب والرُّهْب.
وقرأ طلحةُ والأعمش: {قالَ الحقُّ} جعل {قال} فعلًا ماضيًا، و{الحقُّ} فاعلٌ به، والمرادُ به الباري تعالى. أي: قال اللهُ الحقُّ: إنَّ عيسى هو كلمةُ الله، ويكونُ قوله: {الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ} خبرًا لمبتدأ محذوف.
وقرأ علي بن أبي طالب والسُّلَمي وداود بن أبي هند ونافع والكسائي في رواية عنهما {تَمْتَرون} بتاء الخطاب. والباقون بياءِ الغَيْبة. و{تَمْتَرُون} تَفْتَعِلُون: إمَّا مِنْ المِرْية وهي الشكُّ، وإمَّا من المِراء وهو الجِدالُ.
{مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}.
وتقدَّم الكلامُ على نصبِ {فيكونَ} وما قيل فيه.
قوله تعالى: {وَإِنَّ الله}:
قرأ ابن عامرٍ والكوفيون {وإنَّ} بكسر {إنَّ} على الاستئناف، ويؤيِّدها قراءةُ أُبَيّ {إِنَّ الله} بالكسر دون واو. وقرأ الباقون بفتحها، وفيها أوجهٌ، أحدُها: أنها على حَذْفِ حرفِ الجرِّ متعلِّقًا بما بعده، والتقدير: ولأنَّ اللهَ ربي وربُّكم فاعبُدوه، كقوله تعالى: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا} [الجن: 18] والمعنى لوَحْدانيَّته أَطِيْعوه. وإليه ذهب الزمخشري تابعًا للخليل وسيبويه.
الثاني: أنها عطفٌ على {الصلاةِ} والتقدير: وأوصاني بالصلاةِ وبأنَّ اللهَ. وإليه ذهب الفراء، ولم يذكر مكيٌّ غيرَه. ويؤيِّده ما في مصحف أُبَيّ {وبأنَّ اللهَ ربي} بإظهار الباءِ الجارَّة. وقد استُبْعِد هذا القولُ لكثرةِ الفواصلِ بين المتعاطفَيْن. وأمَّا ظهورُ الباءِ في مصحفِ أَُبَيّ فلا يُرَجِّحُ هذا لأنها باءُ السببيةِ، والمعنى: بسبب أنَّ الله ربي وربُّكم فاعبُدوه فهي كاللام.
الثالث: أَنْ تكونَ {أنَّ} وما بعدها نَسَقًا على {أمرًا} المنصوبِ ب {قَضَى} والتقدير: وإذا قضى أمرًا، وقضى أنَّ اللهَ ربي وربُّكم. ذكر ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء. واستبعد الناسُ صحةَ هذا النقلِ عن أبي عمرو؛ لأنَّه من الجلالةِ في العِلْم والمعرفة بمنزلٍ يمنعُه من هذا القولِ؛ وذلك لأنَّه إذا عَطَفَ على {أمرًا} لزم أن يكونَ داخلًا في حَيِّز الشرطِ ب {إذا}، وكونُه تبارك وتعالى ربُّنا لا يتقيَّد بشرطٍ البتةَ، بل هو ربُّنا على الإِطلاق. ونسبوا هذا الوهمَ لأبي عبيدةَ كان ضعيفًا في النحو، وعَدُّوا له غَلَطاتٍ، ولعلَّ ذلك منها.
الرابع: أَنْ يكونَ في محلِّ رفعٍ خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ، تقديرُه: والأمرُ أنَّ الله ربي وربُّكم. ذُكِر ذلك عن الكسائي، ولا حاجةَ إلى هذا الإِضمارِ.
الخامس: أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ نَسَقًا على {الكتاب} في قوله: {قال إني عبد الله آتاني الكتابَ} على أن يكونَ المخاطَبُ بذلك معاصِرِي عيسى عليه السلام، والقائلُ لهم ذلك عيسى. وعن وَهْب: عَهِدَ إليهم عيسى أنَّ اللهَ ربي وربُّكم. قال هذا القائل: ومَنْ كسرَ الهمزةَ يكون قد عَطَفَ {إِنَّ الله} على قوله: {إني عبدُ الله} فهو داخِلٌ في حَيِّز القولِ. وتكون الجملُ من قوله: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} إلى آخرها جملَ اعتراض، وهذا من البُعْدِ بمكانٍ.
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}.
قوله تعالى: {مِن مَّشْهِدِ}: {مَشْهد} مَفْعَل: إمَّا من الشهادة، وإمَّا من الشهود وهو الحضورُ. و{مَشْهد}: هنا يجوز أن يُراد به الزمانُ أو المكان أو المصدر: فإذا كان من الشهادة، والمراد به الزمان، فتقديره: مِنْ وقتِ شهادة. وإن أريد به المكانُ فتقديره: من مكانِ شهادة يوم. وأنْ أريد به المصدرُ فتقديرُه: من شهادةِ ذلك اليومَ، وأَنْ تشهدَ عليهم ألسنتُهم وأيديهم وأرجلُهم والملائكةُ والأنبياءُ. وإذا كان من الشهود وهو الحضورُ فتقديرُه: مِنْ شهود الحساب والجزاء يوم القيامة، أو من مكانِ الشهود فيه وهو الموقفُ أو من وقتِ الشهود؟ وإذا كان مصدرًا بحالتيه المتقدمتين فتكون إضافتُه إلى الظرف من بابِ الاتساعِ، كقوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4]. ويجوز أَنْ يكونَ المصدرُ مضافًا لفاعلِه على أن يُجْعَلَ اليومُ شاهدًا عليهم: إمَّا حقيقة وإمَّا مجازًا.
أهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37]، وفي سورة الزخرف: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [الزخرف: 65]، للسائل أن يسأل عن قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله في الأخرى: {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} وما وجه تخصيص كل آية منهما بما ورج فيها وعن قوله في الأولى: {مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وفي الثانية: {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}؟ فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول منها: أن الكفر بالله سبحانه أعظم من كل خطيئة، والذي لا ينفع معه شيء من أعمال البر، فهو أعظم من الظلم، ثم قد يوصف الكافر بالظلم إشارة إلى الصفة اللازمة له من ظلمه نفسه بكفره وشنيع مرتكبه، فيشعر إذ ذاك هذا الوصف إذا ورد تابعًا للكفر ولفظ الكفر منطوق به أو مفهوم من سياق الكلام بزيادة توجب زيادة التنكيل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 168]، فقوله في آية سورة مريم: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37] معقب بها قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم: 34-36]، ثم قال: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37]، والمراد اختلافهم في نبي الله عيسى، عليه السلام، حيث قال بعضهم: هو الله، وبعضهم يقول: ابن الله، وبعضهم: ثالث ثلاثه، فهذا اختلافهم، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، فومهم بالكفر الذي هو ضابط أقوالهم وأم مرتكباتهم، وأخبر باستحقاق الويل لهم لكفرهم من شهود ذلك اليوم الفاضح لهم على رؤوس الأشهاد، وفيه قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103]، وفيه يقول الأشهاد: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، ثم ذكرهم في آية الزخرف بصفتهم من الظلم اللازم لكفرهم، ليناسب بذلك ما تقدم من وهم من أعتمد غير الله سبحانه، فقرن بمعتمده في العذاب وهو المقول فيه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، فقيل فيه وفي متخذه: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39]، والظلم هنا ظلم الكفر من عبد عيسى، عليه السلام، من الأحزاب المذكور اختلافهم في خاصته دون متخذه بحال هؤلاء، فوسموا بالظلم كوسن من تقدم فقيل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا}، وظلم هؤلاء كفر كحال من تقدم، فتناسب هذا، ولم يقع في آية سورة مريم ما يطلب بمناسبة، فوصفوا هناك بالكفر بخلاف آية الزخرف، فجاء كل على ما يجب، ثم قال: {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [الزخرف: 65]، فذكر العذاب المعقب به ذلك اليوم المشهود، ووصف اليوم بالإيلام وإن كان المؤلم إنما هو العذاب مبالغة في شدة الإيلام من عذاب ذلك اليوم، كما قالوا: نهارك صائم وليلك قائم، وهذا العذاب ثان عن قيامهم في ذلك المشهود وسوء حالهم فيه، وجاء ذلك على الترتيب الذي استقر عليه الكتاب العزيز، فذكر في المتقدم من الآيتين المتقدم وجودًا من حالهم الأخراوي، وفي الآية الثانية ترتيب ما هو ثان عن ذلك، وجاء كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}.
أي الذي قال ما أخبر الله عنه هو عيسى ابن مريم... أيكون بقول إله؟
وقد شكَّ فيه أكثر الخَلْق فَرَدَّه قومٌ وَقِبَله قومٌ، والفَرق بينهم افي استحقاقه.
وقوله: {قَوْلَ الحَقِّ} أي يكون بقوله الحق وهو: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ}.
لا يجوز أن يكون له وَلَدٌ على الحقيقة؛ لأنه واحد، والوَلَدُ بعضُ والده.
ولأنه لا داعي له إلى صحبة زوجة فيكون له ولد على الحقيقة. ولا يجوز عليه التبني لأحدٍ لَعَدَمِ الجنسية بينهما.
وقوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} إذا أراد إحداثَ شيءٍ خَلَقَه بقدرته، وخاطَبَه بأمر التكوين، ولا يتعصَّى عليه- في التحقيق- مقدور.
{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ} أي أمرني بأن تعلموا ذلك؛ وأمرني بتبليغ رسالتي، واتباع ما شَرَعَ اللَّهُ من العبادات.
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}.
فَمَنْ عُجِنَتْ بِماءِ السعادةِ طينتُه أَطَاعَ في عاجله وما ضاع في آجله، ومَنْ أَقْصَتْه القِسْمة السابقة لم تُدْنِه الخِدْمَةُ اللاحقة، وسَيَلْقَوْْنَ غِبَّ هذا الأمر. اهـ.

.من فوائد الشيخ عبد الكريم الخطيب في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكانًا شَرْقِيًّا (16)}.
التفسير:
هذه الآيات تحدث عن قصة مريم، وعن ميلاد المسيح عيسى ابن مريم، على تلك الصورة العجيبة، التي جاءت على غير مألوف المواليد من الأحياء في عالم البشر خاصة.
وقد ذكرت هذه القصة في سورة آل عمران، تالية لقصة ميلاد يحيى، كما جاءت على هذا الترتيب هنا..
غير أننا إذ نكتفى بما قلنا في تفسير الآيات الواردة عن هذه القصة في آل عمران.. نودّ أن نفسر هنا بعض المفردات، ثم نشير إلى ما لابد من الإشارة إليه من مضامين القصة الواردة هنا..
انتبذت: انتحت ناحية، وأخذت مكانا خاصا.. وفي التعبير عن هذا بالانتباذ، ما يشير إلى أنها كانت في حال خاصة، تتكرّه فيها أن تختلط بالناس..
والرّوح: الملك، ويغلب أن يكون وصفا خاصا بجبريل عليه السلام..
والبغيّ: الفاجرة الزانية.. وهو من البغي والعدوان..
أجاءها المخاض: ألجأها واضطرها.. والمخاض ما يعترى المرأة وقت الولادة.